امتهنت الحرف

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]


لأنِي لَم أَعد أجيدُ امتهَانَ الكِتَابةِ كَمَا ينبغِي،
لأنِي لَم أَعد أُجيدُ ارتِداءَ الأَقنعةِ مِن أَجل أَن أَخبرهم أَني " بخير " ،
لأني لَم أَعد أُطيق احتِبَاسَ الدُموعِ الحَارّة، وقتلها عَمدًا في حمى عيني،
أَجدُني - كَمَا تَرى - فتَاةً تَرتدي الشحوبَ، وَتَضيقُ به ..


- موجوعة ؟

كَثيرًا، بقدر سَعَادتِي لَو تَأْتي عَن مَحضِ مُصادفة،
بقدرِ أَنفاسِ " أَيلولَ، وَتشرين " الرَاحلة،
بقدر سَذاجتِي وَأَنا أَقفُ عَلى الرصيفِ أُرقُبك في وجوهِ العَابرينَ،
الرَاحلين، وَأَنامُ مُشرّدةً وَأَصحو، وَأَنا وَاثقةً أَنك لَن تأَتي ..

- مُشتَاقة ؟

جِدًا، وَبِلا حدّ .. كشوقِ الضريرِ إِلى أَن يرىَ النّور،
كجوعِ طِفلٍ تَشرّد ذَاتَ يُتمٍ وَنُفيّ مِن وطنهِ وَمنفاه ..
بعمقِ البِحَارِ، وَظُلمةِ أَغوارها،
بحجمِ السَماء، وامتداد أَفاقِها ..
بقدرِ الخيبةِ التِي رَأَيتهَا في مَنامِي حينَ كُنتُ على وشكِ أَن أُعانقك،
فَما احتويتُ إِلاّ السَراب ..
بقدرِ الدمع الذِي ابيّضَ في عيني ..
وَبقدرِ الشّوقِ الذِي تصلّب في قلبي، وَحكمَ عليّ بالشقاء ..


- آسِفة ؟

نَعم، بحجمِ الفوضى التي أَحدثها غيابك،
آسِفةٌ تَنثرُ أَشياءك المُتشظيّة بداخِلي فِي مواطنِ التأَبينِ التِي لا تَفنى،
وَتنزعُ مني - بقوةٍ - كُلَّ الأَشياءِ التي يُمكنني أَن أُطلقَ عليهَا " جَميلة ! "
آسِفةٌ، لأنّ قدرَ الأَيامِ الجَميلة أَن تقصّ أَجنحتها، فَتسقط ..
ثُمّ نبكي عَلى مصرعِها ..
آسِفةٌ، لأنّ أَرديةَ الحنينِ لَم تَعد تَأَتي إِلا " فضفاضة " لا تَجودُ بدفءِ الوصال ..
آسِفةٌ، لأنّ ليلَ البُعدِ / الهجرِ في امتِداد،
وَمَسَاحَاتُ الصبرِ تَكادُ أَن تُعلنَ استسلامَها لجيوشِ الفقدِ التي لا تَخور ..

.. يَا ممزقي كُلّ ليلة،
يَا مُفجعي كُلّ حين ..
يَا أَنت الذِي لا تَراني إِلاّ ورقًا مُصفرًا أَجدبته، وَأّذبلتُه عَقاربُ الزمنِ، وتجبّرت عليهِ،
سَالت أَحبارهُ، واختلطت كَلماتُه،
وَسطورهُ لَم تعد غير حُلمٍ لا يَجرؤ أَن يَكونَ حَقيقةً كَمَا كَانَ سَالفًا ..

يَا وجعَ الغِيابِ،
يَا شَبَحَ الليالي المَسكونةِ بأتربةِ الخَرائبِ التي لا تفتأ تنفثُ في وجهي غُبَارها،
وَتضحكُ مِن تهشّم، وتنَاثر الزُجاجِ في عيني، وَأَطرافي ..
وَخروجِ الآهِ مِن إِسفتجَةٍ لا تَكبرها قبضتِي اليُمنى ..

يَا ريحِ السكون،
وَرعشةَ العَاجزين،
يَا رَتَابةَ البؤْسِ عَلىَ أَرصفةِ الطُُرقَاتِ الرَماديّةِ / الضَبَابية الضَامة لسكةِ الأَوجاعِ،
وَالأَشواقِ الصَدِئةِ حدَّ التلفِ / التفتت، التآكل .. وَالتلاشِي رُبما !

يَا فُتَاتَ الأَمسِ،
يَا كِسرةَ الجُوعِ، وَقطرةَ العطشِ وَأَثارُ العَابِرينَ إِلى البحرِ المُنبلجِ
في يومٍ لا يَأَتي بَعدَ موسى وَفرعون ..

يَا زَفرةَ السنينِ، وَقطراتِ المَطرِ المُتباخلةِ علىَ اليَبَاسِِ المُتنامِي
كسرطانٍ لا يَرحمُ طِفلاً ينخرطُ في أَحلامِ الصِغار،
وَلا يَقتاتُ حَليبَ أُمّهِ لفرطِ وهنهِ، وَ وعجزِ أَيامِها ..

يَا أَنت،
أَمَا كَانَ اليومُ هُو موعدُ الإِيابِ بعدَ الأَيامِ التِي لَم تَكتمل ليَاليهَا إلاّ قَبل لَحظة،
أَمَا كَانَ الريقُ جَافًا بِما يكفي لتهطل غَمائمك وَابلاً مِن قلبك المُتغافل عَن
مَن هم يرمقونهُ بوجل،
أَما آنَ للمقلِ المُتقرحةِ أَن تتشرّبَ الجُودَ لتجود،
أَما آنَ أن أَكونَ أَنا صفحةً لا تَنطوي في ذَاكرتِك الأَم،
أَمَا آنَ أنَ تَأتي ؟
أَما آنَ أَن تَنتَحرَ خُطواتُ الهَجرِ إِثرَ قولِ صَادقٍ في لحظةِ إِعتِرافاتٍ يَتيمةٍ
لا تتكهنّ بالسجنِ المؤبدِ رُبما ..
أَمَا آنَ أَن تُصَافِحَ الشمسُ شيئًا رطبًا من قلبك،
وَتَصنعُ أَقوَاسًا مُلونةً تَسْتبشرُ بِهَا الدُنيَا الخَاويّة مِنَك، ومِنَ اللاشيء ..
أَمَا آنَ أَن تُطوى رَكب المَسَافَاتِ لتقتَربَ الأَميَالُ،
وَتَتَكدّسُ العَربَاتُ وَرَاءَ زُجَاجِ المَعَارضِ البَائِرةِ / الخَاسِرة ..
أَما آن .. ؟

يَا أَنت،
لَم تَكن أَيَامي تَركضُ بي نحوك، حِينَمَا أَتيْت عَلى جناحِ الحُلم ،
وَلم تَكنُ الأُمنياتُ أَن تتعانقَ الأَصابع مِن خلفِ زُجاجٍ كريستالي لا يشي بسوء،
وَحينما تأَتي على جناحِ الحُلمِ،
يَتَراقَصُ الصيفُ، وَتتوهمُ الأَرض الربيع،
وَالشتاءُ يلفنّي أَنا، وَأَظنّ الخَريفَ بروحك تربّع مُنذ الأَيامِ الفَائِتة ..
الحُلم يَا مارقٌ على الريش، بِساطٌ أَحمرَ مُزخرف بشوكٍ،
والشوك يَا صَديقي لا يهبنا غيرَ الوَجع، وَأَنت مثله .. أَو رُبما هو يُشبهك !

ليسَ المهم مَن يَتعلق بالآخر،
المُهم الآن أَن الصلوات لَم تنقطع ..
وَإِن كُنت فصلاً لا يأتي أَبدًا ..
فحتّى الربيعُ صَارَ خريفًا، وَالشِتاءُ أَضحى خَريفًا،
وَالصيفُ خَريفُ الخَريفِ،
وَالخريفُ لاشيءَ غيرَ الإِصفرارِ، وَاليباس، وَالذبولِ،
وَالتسَاقطِ المُنزاحِ مِنَ الشمَال، أَو رُبما مِن جهةٍ شرقيّة ..

وَلأني لا أَدري مَتَى أَتوقّفُ عَن تَسجيلِ شيءٍ يمكنهَ أَن يَصلك حيثُ كنت،
وَلأني جرّبتُ البُكَاءَ معك فِيمَا مَضَى، وَاليوم أُجرّبُ البُكاءَ على طيفك دونك ..
وَلاّن الوِصالَ بيني وَبينك بَاتَ مُتذبذبًا كمطرٍ ضلّ طريقهُ إِلينا ..
أَجدني هُنا أَبكي وَحدي، عَلى أَنقاضِ رجاءٍ مِن ربّ العِبَادِ أَن يُمطرني صَبرًا،

وَيُمطرك اقتراب ..

~ نقلاً وراقت لي حد الثمل ~